الأحد، 4 فبراير 2024

التصعيد في البحر الأحمر وانعكساته على مستقبل اليمن

 


ياسين التميمي:

شيئاً فشيئاً يتحول نشاط جماعة الحوثي في جنوب البحر الأحمر إلى جزء ملتحم بمعركة إيران لتكريس نفوذها في المنطقة رغم الأساس الأخلاقي لنشاط الجماعة الذي تركَّز حول منع سفن تابعة للكيان الصهيوني أو لشركة صهيونية أو لأحد الأشخاص المنتمين لهذا الكيان، ثم تطور الأمر ليطال السفن التي تحمل سلعاً مستوردة من قبل هذا الكيان وتكون وجهتها موانئ فلسطين المحلتة.

ثمة كلفة جيوسياسية عالية سيدفعها اليمن الذي باسمه تُدير إيران جهدها العسكري في البحر الأحمر عبر جماعة جماعة الحوثي، مستغلة التغييب الخطير للسلطة الوطنية التي يفترض أن تمثل إرادة الشعب اليمني وتتصرف وفقاً لهذه الإرادة، في خضم أزمةٍ وحربٍ هيمنتْ عليها الأطرافُ الإقليميةُ المتدخلةُ هيمنةً كاملة وخططت من خلالها لإضعاف وتحييد دور الدولة اليمنية ونفوذها على البحر الأحمر وباب المندب.

 إن ما يجري اليوم في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن من شأنه أن يحول جهد الحوثيين العسكري الذي يكتنفه الغموض في هذه المنطقة إلى غطاء لتكريس المشروع السياسي ذي الصبعة الطائفية المدمرة لصيغة التعايش الوطني ولحلم اليمنيين في استعادة الدولة الديمقراطية التي رسموا ملامحها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تم تقويض نتائجه بالتمرد المسلح لهذه الجماعة الذي كان محل ترحيب كبير من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي فوضت الحوثيين لمحاربة الإرهاب ولو على أنقاض الدولة اليمنية.

لذا لم يكن مستغرباً أن يقوم الحوثيون بأول أنشطتهم العسكرية المزعزعة للدولة اليمنية، في أعقاب انقلابهم على عملية تغيير ناجحة للشعب اليمني ،دشن بفضلها عهداً ديمقراطياً مفعماً بالأمل. حينها صدَّر الحوثيون شعارات باركها الغرب بشكل واضح، ودارت حول مواجهة الإرهاب المزعوم، وتحت الغطاء الجوي الذي وفرته الولايات المتحدة بطيران الدرونز هاجموا محافظة البيضاء في وسط البلاد، ثم بدأوا إثرها بالزحف نحو الجنوب بذات الذريعة وهي مكافحة الإرهاب.

توسل الغرب تلك الذريعة ليقدموا إسنادهم الكبير لجماعة الحوثي ما أدى إلى تقويض مكاسب ربيع اليمن، وتعظيم الحصة الجيوسياسية للجماعة ذات النفوذ المحدود ما منحها فرصة كبيرة للوصول إلى أهدافها في تقويض ربيع اليمن وشق طريق "ثوري" منفصل مستلهمة النموذج الإيراني ومستفيدة من الدعم الهائل الذي قدمته طهران تحت أنظار البيت الأبيض الذي كان يحكمه آنذاك الديمقراطيون بقيادة باراك أوباما.

 

اليوم نحن تقريباً أمام سيناريو يكاد يتكرر، فالهجمات الحوثية على سفن في البحر الأحمر لا يتبدَّى منها شيئٌ يمكن معاينته عبر مشاهد مرئية كتلك التي يجترحها المقاتلون في قطاع غزة بشجاعة نادرة في تاريخ الحروب التي شهدها ويشهدها عالمنا، كما لا يبدو أن العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة قد تأثر أو أنه سيرتهن بأي قدر كان إلى الضغط الذي يمارسه الحوثيون في البحر الأحمر، خصوصاً بعد أن وضعت واشنطن ولندن ثقلهما العسكري لمواجهة هذا الضغط، والذي لا يكاد يتوقف على التعامل العسكري الخشن بل تطور إلى ممارسة حزمة من الإجراءات العقابية ضد جماعة الحوثي شملت إعادة إدراجها في قائمة الإرهاب الأمريكيية وإضافة (4) من القادة العسكريين البارزين للجماعة إلى قائمة العقوبات الأمريكية والبريطانية.

إن أكثر ما يستفز اليمنيين اليوم أن بلدهم أصبح ساحةً مستباحة لنفوذ الدول الأجنبية من أمريكا إلى إيران مروراً ببريطانيا والسعودية والإمارات، وما يحدث اليوم يؤشر إلى المخاطر الناجمة عن غياب الدولة اليمنية الذي تتحمل تلك الدول المسؤولية المباشرة عنه، فقد تآمرت على اليمن بمستويات متفاوتة، وهندست المشهد اليمني ليبدو عبثياً بالقدر الذي نراه اليوم والذي سمح للحوثيين بالتحكم بمقدرات دولة والتصرف كتنظيم ما دون الدولة.

 حينما شعرت الصين، وهي مصنع العالم دون مبالغة، بأن ثمة خطر يهدد تجارتها التي تمر عبر البحر الأحمر نتيجة نشاط الحوثيين ذهبت إلى طهران، وقيل إن الموفدين الصينيين حملوا رسائل تتسم بالحسم بشأن التأثيرات السلبية المحتملة لهذه الهجمات على العلاقات بين بكين وطهران، للصين مبررها القوي فالبحر الأحمر وموانئه أيضاً جزء من مشروع "الطريق والحزام" الصيني، وحضور أمريكا في هذا الممرر بذريعة منع الهجمات الحوثية على السفن التجارية، قد يمنح واشنطن فرصةً كبيرة لزيادة سطوتها في هذه المنطقة الحيوية من العالم، خصوصاً أنها تتصرف وفقاً للقرار رقم (2722) الصادر في العاشر من كانون الثاني/ يناير عن مجلس الأمن الذي قد يرسي قواعد جديدة في القانون الدولي فيما يتعلق بتأثير الدول على أمن البحار الإقليمية، على حساب أدوار الدول المطلة عليه.

فقد أثنى قرار مجلس الأمن على "الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء -في إطار المنظمة البحرية الدولية- لتعزيز سلامة السفن التجارية وسفن النقل من جميع الدول ومروها بأمان عبر البحر الأحمر" و" شجع على مواصلة الدول الأعضاء بناء وتعزيز قدراتها، ودعمها لبناء قدرات الدول الساحلية ودول الموانئ في البحر الأحمر وباب المندب بهدف تعزيز الأمن البحري".

سيبقى اليمن بالتأكيد خارج هذه الترتيبات بسبب غياب سلطة وطنية قوية وذات سيادة، واستمرار الصراع دون حل ودونما أفق واضح يفضي إلى سلام مبنى على وفاق وطني، لا يبدو أن الحوثيين جاهزون للذهاب إليه في ظل تنامي نفوذهم المعنوي على وقع مواجهة استعراضية نادرة بين جماعة مسلحة وامبراطوريتين أحدهما سابقة والأخرى تمثل القوى الأعظم في العالم، ويا للمفارقة فجماعة الحوثي مدينة لوجودها في الجزء المثمر من اليمن إلى الضغوطات الأنانية والخبيثة التي مارستها هاتان الامبراطوريتان لتكريس الانقسام الطائفي ومنح إيران فرصة نادرة لممارسة النفوذ المادي والمعنوي في مركز ثقل حضاري عربي تاريخي آخر في منطتقنا هو اليمن.  

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

ياسين التميمي لـ”الاستقلال”: الجيش اليمني كاد يحرر صنعاء لولا تدخل التحالف

 

أكد المحلل والباحث اليمني ياسين التميمي أن سوء نوايا السعودية والإمارات أوصل اليمن للمأزق الراهن، لافتا إلى أن دوافعهما بالبداية كانت جيوسياسية ثم تغيرت صوب أهداف ومطامع توسعية.


وقال في حوار مع الاستقلال إن الجيش اليمني كان على مشارف صنعاء في بداية الحرب، لكن تبين أن التحالف لم يكن يريد حسم الأمر لصالح الشرعية وتمكين قوى ربيع اليمن التي أطاحت بالرئيس الراحل علي عبد الله صالح.


وأضاف أن مزاعم تدخل السعودية في اليمن لوقف مطامع إيران مجرد "ذرائع وشعارات زائفة"، والتقارب السعودي الإيراني الحالي يأتي استجابة لضغوط أميركية ويعزز نفوذ طهران.


كما استنكر التميمي ارتهان الأمم المتحدة بالكامل لجماعة الحوثي نظرا لأنها تتخذ من صنعاء مقرا لها، فيما يتجه مجلس الأمن نحو الذهاب لقرار جديد حول تقاسم النفوذ وتغيب الدولة.


ورأى أن العراق مثقل بالأزمات الداخلية وغير مستعد للوساطة ولعب دور حقيقي في اليمن، في ظل تمسك إيران بأجندات طائفية وجيوسياسية مهددة لاستقرار المنطقة.


فيما أوضح المحلل اليمني أن الأزمة الراهنة بين السعودية ولبنان بدأت بتخلي ولي العهد محمد بن سلمان، عن عائلة الحريري وتصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.


وكان وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قال في تصريحات قبل توليه المنصب، إن "الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات"، الأمر الذي نددت به الرياض، وسحبت هي والإمارات والبحرين والكويت واليمن تباعا سفراءها من بيروت.


ويشهد اليمن منذ نحو سبع سنوات حربا بين قوات الحكومة المدعومة بتحالف عسكري تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.


وأودت هذه الحرب بحياة 233 ألفا، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.


 التحالف العربي


برأيك هل عجز التحالف عن إلحاق الهزيمة بأتباع إيران بعد 7 سنوات من الحرب؟


لم يعجز لكنه غير بوصلة الحرب بإرادته الكاملة، ورأى أن اليمن باتت أكثر من أي وقت مضى طيعة لإعادة التشكيل الجيوسياسي المريح بما يتفق مع أهداف ومطامح قديمة خصوصا بالنسبة للسعودية.


وبما يتفق مع تعهدات إماراتية ممتدة منذ حرب صيف 1994 الأهلية، إضافة إلى أطماع أبوظبي التوسعية في الممرات والموانئ والجزر بما يتفق مع فائض المال والسلاح وهامش الدور الممنوح لها من جانب القوى الغربية.


لهذا لا يمكن القول إن هناك عجزا، إنما سوء نوايا أوصلت الجميع بمن فيهم التحالف إلى مأزق خصوصا في ظل تعقيدات مشهد الحرب والتقلبات في المواقف الدولية المساندة للتحالف.


كيف ترى إعلان العراق استعداده للوساطة لإنهاء الحرب في اليمن؟


لا يمثل العراق المثقل بالأزمات والعبث الطائفي والملحق عمليا بالإرادة الإيرانية أية فرصة للعب دور حقيقي في اليمن. فالحكومات العراقية الشيعية ومن خلفها الحوزات هي المنظومة المهيمنة على البلاد.


ولطالما أظهرت دعما للحوثيين قبل أن نشهد انفتاحا على السعودية يعطي انطباعا أوليا أن ثمة حكومة حيادية أو أن هناك قوى شيعية باتت جزءا من الأولويات العربية.


وطبعا من السابق لأوانه الحديث عن عراق ذي قرار مستقل.


كيف ترى مساعي التقارب السعودي مع إيران ومهادنة المسؤولين في تصريحاتهم تجاهها؟


هذا الأمر لا يتمتع بالمصداقية، فهو لا يعبر عن النوايا الحقيقية للبلدين، بقدر ما يأتي استجابة لضغوط أميركية غير مفهومة.


تريد الولايات المتحدة على ما يبدو أن تحسم الخلافات مع إيران حتى لو كان ذلك على حساب المنطقة ولصالح دور نافذ لطهران في المنطقة.


والسعودية في الحقيقة لا ترغب في الانفتاح على إيران التي لا تزال تتمسك بأجندات طائفية وجيوسياسية مهددة لاستقرار المنطقة.


وفي المقابل إيران لها منطلقات طائفية واضحة في التعامل مع السعودية، إذ تراها عدوا يتعين هزيمته، بل إن النظرية الشيعية بشأن الإمام المهدي تنظر إلى السعودية على أنها مسرح المواجهة النهائية مع الإرث السني برموزه العظيمة التي تشمل الخلفاء والصحابة.


إذا كان ذلك بضغوط أميركية، فأين ذهبت الثوابت التي تدخلت الرياض بموجبها في اليمن بشأن المطامع الإيرانية في السعودية؟


للأسف كل شيء كان مجرد شعارات زائفة وذرائعية في الوقت نفسه، فالسعودية حولت المعركة إلى مواجهة حصرية مع إيران أو المد الإيراني حتى تتخلص من الاستحقاقات الجوهرية للحرب.


لذا حرصت على أن تحول الحرب إلى مجرد مواجهة طائفية، بينما دوافع التدخل السعودي في الحرب كانت سياسية في الأساس.


حيث كان يتعين عليها إنهاء الانقلاب وإعادة تمكين الشرعية وإعادة إطلاق العملية السياسية، إضافة إلى هدف سياسي وجيوسياسي يتمثل في إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن وباب المندب.


فتحييد إيران في اليمن لا يبدو مكلفا إذا جاء على حساب وحدة اليمن واستقراره، وضاعف من نفوذ السعودية وهيمنتها.


لكن حتى تحييد إيران تحول اليوم إلى تحد حقيقي بعد أن تضخمت الحسابات السعودية إلى مستويات لا تتحملها البيئة اليمنية.


ألا ترى أن نتائج التقارب السعودي الإيراني ستكون لصالح إيران وربيبها الحوثي في اليمن؟


بالتأكيد، فأي تسوية لا تضعف أدوات إيران فهي تمكين قوي جدا لنفوذها لا يمكن أن تتفادى السعودية تهديداته الوشيكة.


ولذلك سيبقى موقف السعودية الحالي في سياق الحرب مثار دهشة واستغراب كل العقلاء اليمنيين الذين رأوا تدخل الرياض بداية مرحلة جديدة من الأخوة والتعاون المتحرر من أثقال الماضي القريب.


برأيك هل يمكن أن يستقر حال العرب في ظل وجود النظام الإيراني وطموحاته في المنطقة؟


لا تتحمل إيران المسؤولية عن عدم استقرار حال العرب، فهي على سبيل المثال أنتجت نظاما مقبولا شعبيا، وهناك آلية لتبادل السلطة وإن كانت دون المستوى المطلوب.


لكن في البلدان العربية الأنظمة تخصم من حصة الشعب وكرامته وقدرته وإمكانياته ومن حقه في الحياة، ما يجعلها مرتهنة للأجندة الدولية ويحولها إلى كيانات عديمة القدرة على التأثير أو الدفاع عن مصالحها إلا بمساعدة قوى أجنبية.


هذا الأمر ساعد إيران على التأثير في البلدان العربية، الذي وصل حد السيطرة الكاملة على بلدان مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن في الطريق لا سمح الله.


تشكك أطراف بأن ثمة اتفاقات تدور في الكواليس؟ فما تعقيبك؟ وهل ستكون لصالح اليمن أم لصالح الأطراف الطامعة في اليمن؟


الأمور تبدو وكأنها تدور ضمن حلقة ضيقة من المؤثرين الدوليين والإقليميين، وطالما بقيت الشرعية ضعيفة وفاقدة التأثير فإن ترتيبات سيئة ستكون بانتظار اليمنيين.


فأي تسوية تقوم على مكافأة الانقلابيين والانفصاليين فإنها ستكون كارثية لا شك، وهذا ما لا نريده.


والحديث حول ضرورة الذهاب إلى قرار جديد بشأن اليمن يصدر عن مجلس الأمن هو محاولة لتأسيس شرعية جديدة ومرجعية جديدة للمرحلة الراهنة من تقاسم النفوذ، التي تهيمن عليها الميليشيات وتغيب عنها الدولة بصورة مخلة للغاية.


ما إمكانية أن يخرج التحالف من اليمن ويدعم قوات الأمن اليمنية عسكريا واستخباراتيا ويتركها تدير الحرب على مسؤوليتها؟


قد يكون هذا أحد السيناريوهات المتوقعة، لكن من قال إن هذه الخطوة سوف تخفف على التحالف عبء الحرب، فهو سيتعين عليه مواصلة دعم أطراف متصارعة وأجندات متضادة.


وهذه وصفة لحرب طويلة ستلقي بأثرها وكلفتها الثقيلة السياسية والأمنية والاقتصادية على التحالف وبالذات السعودية.


لأن الانسحاب سيفسح المجال لدخول لاعبين آخرين إلى مسرح الأحداث، بعضهم يتمتع بأجندة أخلاقية وأكثرهم سيأتي لتنفيذ أجندة سيئة وذلك سيؤدي لانكشاف الأمن القومي اليمني والسعودي وسيفضي إلى نهايات خطيرة للغاية.


كيف ترى الأزمة بين السعودية ولبنان بعدما وصف قرداحي الحرب بالعبثية؟


الأزمة بدأت منذ تخلت السعودية في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، بصورة فجة عن حليفها الوثيق في لبنان المتمثل في عائلة الحريري السياسية وتيار المستقبل، بعد أن استثمرت في لبنان مليارات الدولارات لإبقائه مستقرا.


فسجن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مثّل بداية دراماتيكية للمواقف السعودية مع لبنان، الذي ذهب منذ فترة طويلة باتجاه إيران بعد تأسيس حلف مسيحي شيعي صريح كان ولا يزال جزءا من إستراتيجية اعتمدها الغرب وشجعها في سياق مخططه لإضعاف السنة.


وتصريحات قرداحي ربما تكون القشة التي قصمت ظهر البعير، وإلا فهي ليست الأولى، هناك تصريحات سابقة لوزير خارجية لبنان السابق ومواقف عدائية من جانب شخصيات إعلامية.


الحوثي وإيران


ماذا فعل الحوثي باليمن؟


هدم دولة المواطنة والتعايش، وضرب المنظومة الديمقراطية، وشرع في هندسة عقيدة وثقافة الشعب في مناطق الكثافة السكانية التي يسيطر عليها، وربط هذا الجزء بالمشروع الإيراني.


وخلق بيئة سياسية طاردة للحريات والكرامة، وأسس اقتصادا يقوم على هيمنة الأقلية، وأفسح المجال لبناء ثروات غير مشروعة لصالح المقاولين الحربيين، ومنع تلقي لقاحات كورونا في مناطق سيطرته.


وتسبب في انسداد خطير للأفق السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن ينجلي إلا بهزيمة مشروعه الخطير.


لماذا تغض الأمم المتحدة نظرها عن كل ذلك؟


دور الأمم المتحدة مرتهن بالكامل لجماعة الحوثي، فالممثليات الأممية لا تزال تتخذ من صنعاء مقرا لها، وهذا يدفعها إلى التعاطي مع الحوثيين كسلطة أمر واقع ومراعاة ردود أفعالها.


إضافة إلى أن الأمم المتحدة عملت وفق سردية تم تسويقها منذ بداية الأزمة والتي رأت الحوثيين شريكا محتملا في محاربة الإرهاب.


كيف يمكن استعادة صنعاء من الحوثي وسحب السلاح منها؟


كان الجيش الوطني على مشارف صنعاء، وقيل حينها إن هناك خطوطا حمراء أميركية، لكن تبين أن التحالف لم يكن يريد حسم الحرب لصالح الشرعية وقواها السياسية التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح.


بمعنى أنه لم يكن يرغب في إعادة التمكين لقوى ربيع اليمن، أو بالأصح التمكين للتجمع اليمني للإصلاح الذي ينظر إليه على أنه الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن.


مع ذلك يمكن للجيش إعادة الكرة والوصول إلى صنعاء، التي ستستقبله بترحاب، وتختصر عليه حربا طويلة، على عكس ما يتصوره البعض لأن الحوثي لا يتمتع بحاضنة حقيقية في صنعاء.


السلطة الشرعية


رئيس الجمهورية ونائبه في الرياض، ورئيس البرلمان ونائبه في القاهرة، ورئيس الحكومة داخل قصره، وأعضاء الحكومة في عواصم مختلفة، فما تعليقك على هذا التشتت؟


الأمر ليس عبثياً إنه انعكاس لمخطط ينفذه التحالف، الذي يريد من الشرعية غطاءها ويرغب بإبقائها مفككة مشتتة وعاجزة، حتى يمكنه التخلص منها في ختام جولة الحرب بعد أن يصل إلى كامل أهدافه.


ما تقييمك لأداء حكومة معين عبدالملك؟


الكثير لا يعلم أن هذه الحكومة لا تزال تعتبر حكومة تصريف أعمال، لأنها لم تحصل على ثقة مجلس النواب، الذي يمنع التحالف انعقاده حتى اليوم.


تجد هذه الحكومة صعوبة في الاجتماع بكامل أعضائها في عدن لأن هناك وزراء غير مرغوب فيهم بعدن من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي ومن ورائه الإمارات.


والأهم من ذلك كله أن هذه الحكومة تواجه ندرة في الموارد، ويكاد دورها اليوم يختزل في تأمين النفقات التشغيلية لمشروع الانفصال الذي يجرى تنفيذه على قدم وساق في كل المؤسسات اليمنية.


خرجت أطراف من داخل اليمن أخيرا رافضة لدور الحكومة الشرعية والسعودية والإمارات، فما إمكانية تشكيل قيادة من الميدان لإدارة المرحلة؟


هي مبادرات جيدة، ويمكن أن تلقى نجاحا إذا ما استندت إلى الأرضية الوطنية وإلى التطلعات المشروعة للشعب اليمني، ومع ذلك هناك أسباب عديدة تعيق التحركات الجدية من قبل شخصيات وطنية وازنة.


وهذه التحركات بحاجة إلى إنضاج واستعداد حقيقي لمواجهة الصعوبات العديدة، ومن بينها الصعوبات اللوجستية وأخرى مرتبطة بانعدام الثقة، وغياب الغطاء الإقليمي.


الإمارات والانتقالي


بعد كل ما يتكشف تباعا من خيانات الإمارات في اليمن، أين الموقف الحكومي الرسمي تجاهها؟ 


الحكومة تضم خمسة وزراء تابعين للمجلس الانتقالي، كما تتشكل الحكومة في الأساس من رئيس ووزراء لا مشكلة لدى معظمهم مع الإمارات والتحالف، لهذا لا يمكن أن نضع الحكومة بأي حال من الأحوال في موقع المواجهة.


وماذا عن الدور الشعبي؟


هناك تحركات شعبية وإعلامية وهناك تصرفات من قبل بعض مسؤولي السلطة المحلية، ولكن الأمر يرتبط بالخذلان الكبير من قبل السلطة العليا في الشرعية.


لماذا تخلى المجلس الانتقالي عن هويته اليمنية وأصبحت كل تحركاته لصالح الإمارات؟


المجلس الانتقالي نشأ في رحم الأجندة الانفصالية المعادية لوحدة اليمن وهويته، وهدف الانفصال هو علة وجود هذا المجلس الذي أنشئ في مايو/ أيار 2017 كتعبير عن تحول جذري في موقف التحالف تجاه اليمن.


حيث بدأ يدفع بالأمور إلى تبني الأجندة الانفصالية، ما بلغ ذروته في طرد الحكومة من عدن وإجبارها على الدخول في مفاوضات مع الطرف المنقلب، أفضت إلى اتفاق الرياض الذي شرعن الانفصال ومكن للانفصاليين.


لكن اتفاق الرياض متعثر، فما الأسباب؟


السبب يكمن في رفض الانتقالي تنفيذ الشق العسكري والأمني من الاتفاق الذي يضمن عودة الصلاحيات كافة للسلطة الشرعية في عدن والمحافظات الجنوبية.


أما السبب الجوهري فيتمثل في عدم رغبة التحالف تنفيذ الاتفاق والذي أراده فقط ليكون حصان طروادة لتمرير المشروع الانفصالي وشرعنته.


بما تفسر الانسحابات المتتالية لقوات التحالف من الحديدة وسقطرى والمهرة وغيرها؟


تعبير عن نهج التحالف في اليمن، ومع ذلك إذا كان الانسحاب من الحديدة قد تم التحقق منه، فإن بقية الانسحابات من المناطق الأخرى لا يمكن التحقق منها.


وإن حدثت فهي ستمثل تمكينا مجانيا للمجلس الانتقالي الجنوبي من الوصول السريع لأهدافه.


الوضع الاقتصادي


ما حقيقة الوضع الاقتصادي الآن في اليمن في مناطق سيطرة الحوثي والانتقالي والشرعية؟


يتأسس اقتصادان منفصلان تقريبا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وتلك الواقعة اسما تحت سيطرة الشرعية.


والسبب يعود إلى كارثة العملة التي يحظر الحوثيون التعامل بطبعاتها الجدية في مناطق سيطرتهم، مما تسبب في وجود فارق شاسع في صرف العملة في منطقتي النفوذ.


إلى جانب الآثار الكارثية الناجمة عن تبني الحوثيين نظام تحويلات مالية جائر بين المنطقتين بحيث تصل كلفة التحويل إلى مائة في المائة تقريباً إلى درجة أن المستفيد من الحوالة الآتية من مناطق الشرعية لا يحصل على شيء.


وهناك اقتصاد مواز في مناطق سيطرة الحوثيين، يقوم على المتاجرة غير المشروعة بالمشتقات النفطية على وجه الخصوص وغسل أموال والمتاجرة بالمساعدات الدولية.


ما مصير الموانئ اليمنية اليوم؟


الموانئ تقع تقريبا تحت سيطرة زعماء الحرب وأبرزها ميناء عدن الذي يسيطر عليه الانتقالي، وميناء المخا الذي يسيطر عليه العميد طارق محمد عبد الله صالح، وميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون.


وبقي ميناء نشطون في المهرة وهو تحت النفوذ السعودي، وميناء المكلا الذي تشرف عليه السلطة المحلية مع وجود نفوذ للنخبة الحضرمية الموالية للإمارات.


خرجت تظاهرات عارمة في عدن استهجانا لهذا الوضع وطالبوا برحيل التحالف والحكومة، فما مدى تأثير تلك الفعاليات؟


أهم ما في هذه التظاهرات أنها أظهرت أن المشاريع السياسية التي يجرى تنفيذها عبر الانتقالي معزولة وغير شعبية ولا ديمومة لها.

لكن من السابق لأوانه أن تؤتي هذه التحركات ثمارها المرجوة بسبب نفوذ القوى الانفصالية العسكري والأمني.


ما مسارات التعافي الممكن تحقيقها في اليمن؟


لا توجد مسارات في الأفق.


https://www.alestiklal.net/ar/view/11384/dep-news-1638450106

https://www.alestiklal.net/ar/view/11384/dep-news-1638450106

الخميس، 8 أبريل 2021

بعد تعثر المبادرة السعودية.. الحل السلمي في اليمن إلى أين؟

بعد تعثر المبادرة السعودية.. الحل السلمي في اليمن إلى أين؟



منذ إعلان المملكة العربية السعودية مبادرتها لوقف إطلاق النار في الـ22 من شهر آذار/مارس، بدا الأمرُ كما لو أنها تحررت من الضغوط الدولية التي لطالما نظرت إلى ما يجري في اليمن على أنه حرب الأغنياء على الفقراء
.........،
ياسين التميمي ياسين التميمي
ذكر شهود عيان أن "محتجين غاضبين أقدموا على قطع الشوارع الرئيسية بمدينة المكلا، احتجاجا على تردي الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء". (AA)
حيث يبدو القاتل المحليّ الخطير ممثلاً بالحوثيين بعيداً عن الأضواء رغم حجم الأذى الذي يُلحقه باليمنيين، بل ثمّة من يدعم فكرة تمكين هذه الجماعة المتعصبة طائفياً، كمتحكّم رئيس في الساحة اليمنية.

في الحقيقة لا شيء يمكن أن يبدد هذا التصوّر بشأن الحرب، فالسعودية بأسلوبها في إدارة الحرب، يبدو أنها تستخدم فائض القوة لإلحاق الأذى باليمنيين جميعاً رغم التّظاهر بأنها تخوض حرباً مع المشروع الإيراني في اليمن، وأنّ الحوثيين يمثلون مصدر تهديد وجودي لها في الجزء الجنوبي من المملكة.

والمشكلة أنّ فائض القوة يتناقص وتتضاءلُ مكاسبه على الأرض، ويزداد حجم التحديات الآتية من تنامي قوة الحوثيين، وهي قوة لا تعني على الفور أنّ الحوثيين يمتلكون كامل السّلاح الذي يُلحقون به الأذى العسكري والإستراتيجي بالسعودية وبعمقها ومنشآتها الحيوية، ولكنه أيضاً يأتي من التخادم المكشوف والمستفز من جانب إيران مع الحوثيين استغلالاً للحرب في اليمن.

فطهران هي من تتولى في أحيان عديدة تأمين الأسلحة وتوجيهها على المنشآت الحيوية السعودية، ليتلقّف الحوثيون المسؤولية عنها، ولتبدو الحرب في اليمن غطاء مثالياً للاختراقات الخطيرة التي تقوم بها إيران للمكانة العسكرية الإقليمية للمملكة التي تمتلك ثالث أكبر أسطول من طائرات F-15 الحديثة وترسانة كبيرة من أحدث الأسلحة.

تكمن مشكلة السعودية في أنها تحارب في اليمن، وهي ترقب ارتدادات معركتها على مزاج صُنّاع القرار في واشنطن والغرب، وهذا يضعها أقرب إلى إنجاز صفقة لا تتناسب ربما مع مصالحها في اليمن قد يكون الحوثيون أحد أبطالها، الذين ترى فيهم أحياناً بديلاً مناسباً عوضاً عن النهاية المثالية المفترضة للحرب إذا ما هُزم الحوثيون وانتصر خصومهم الذين يسعون أصلاً لاستعادة الدولة بمشروعها السياسي الجمهوري الديمقراطي.

لطالما مارست السعودية حرباً موازية على حلفائها في الساحة اليمنية، لكنها لا تستطيع الاستغناء عنهم، وربما نراها تتراجع إزاء تشدد لطالما أبدته إزاء هؤلاء الشركاء الذين تصفهم بـ"الإخوان الإرهابيين"، خصوصاً أنّ مؤشرات عديدة تؤكد أنّ السعودية على وشك خسارة الحرب في اليمن لصالح إيران، وهذا إن تحقق فستكون السعودية هي من هزمت نفسها وليس إيران.

وعلى الرغم مِن أنّ مبادرة وقف إطلاق النّار التي أعلنتها السعودية تمثل تجاوزاً غير مقبول للصلاحيات الدستورية للرئيس المقيم في السعودية، إلا أنّ الرياض لا يبدو أنها أغلقت النافذة التي تأتي منها الضغوطات الشديدة.

فالحوثيون سارعوا إلى رفض المبادرة التي اعتبروا أنها لم تأت بجديد، ثم انطلقوا بحثاً عن مكاسب إضافية يمكن أن ينجح المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ في انتزاعها من الرياض والسلطة الشرعية، خصوصاً أن لدى المبعوث ثقة متزايدة بأن ما يريده من جانب السعودية والشرعية سيُوافق عليه وفقاً لمسؤول يمني مطلع على تحركات المبعوث الأمريكي وأحاديثه في الغرف المغلقة مع الشرعية.

تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن كما لو أنّ نهاية الحرب استحقاقٌ أمريكي أكثر من أي شيء آخر، حيث تؤشر مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة دائماً إلى اختراقٍ يفترض أن يتحقق على الساحة اليمنية، لإثبات أن بايدن يعني ما يقوله، حينما يؤكد أنّ الولايات المتحدة تضع الجهد الدبلوماسي في مقدمة الخيارات لمواجهة الأزمات الدولية وفي مقدمتها الأزمة في اليمن.

من الواضح أنّ واشنطن تتكئ على إخفاقات السعودية لهذا تبدو واثقة من أن مقاربتها للأزمة اليمنية، بغضّ النظر عن كونها تُبقي الحوثيين وتكافئهم، سوف تصل إلى النهايات التي تتطلع إليها واشنطن وليس الرياض والسلطة الشرعية التابعة لها.

لا تزال الطائرات السعودية تكافح لمنع الحوثيين من التّقدم باتجاه مدينة مأرب المكتظة بملايين السكان فيها، في ظروف عيش اضطرارية، لذلك يقاتلون بشراسة حتى لا تخرج المدينة من تحت سيطرة الحكومة الشرعية، على الرغم مِن الظّل الباهت لهذه الشرعية في معركة مصيرية كهذه.

لا أعتقد أن السعودية سوف تجازف بمنح الحوثيين فرصة لدخول مأرب رغم أنها لم تتقدم خطوة واحدة فيما يتعلق بدعم الجيش وتسليحه وتمكينه من تقليص فارق القوة النارية مع الحوثيين، مما يجعل المعركة مزيجاً من استبسال المدافعين عن المدينة وجنون مهاجميها الذين يعتمدون على إستراتيجية الموت دون توقف.

وحينما يتعلق الأمر بآفاق الحل المتصلة بالأزمة والحرب في اليمن، فإن الخطورة تكمن في مدى قابلية الرياض على عقد صفقة مع واشنطن تقوم على مبدأ المساومة بنهاية الحرب مقابل انفتاح أمريكي غير ضاغط على الرياض فيما تبقّى من العهدة الرئاسية لبايدن.

وهذا يمكن أن يتحقق إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السلطة الشرعية تفتقد القدرة على قلب الطاولة، وإعادة توجيه مسار الأزمة نحو نتائج مغايرة لتلك التي تخطط لها واشنطن أو قد تنزلق إليها الرياض دعماً لولي عهدها.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي
بعد تعثر المبادرة السعودية.. الحل السلمي في اليمن إلى أين؟ (trtarabi.com)
Like
Comment
Share

مخاطر الاغراق السياسي




 

ياسين التميمي

الأحد، 04 أبريل 2021 02:59 م بتوقيت غرينتش

على وقع التحرك المثابر للمبعوث الأمريكي إلى اليمن عبر مسار يبدأ من واشنطن وينتهي بمسقط ويمر عبر الرياض، تجلت بعض من أخطر ملامح هذا التحرك الذي يهدف إلى تكييف الوضع السياسي في اليمن وفق شروط اللاعبين السيئين الإقليميين والمحليين، فيما ينحسر دور الشرعية على نحو تدريجي ومقصود.


فالمبعوث الأمريكي، ووفقاً لإفادة بعض السياسيين المتصلين بتحركاته، بدا مطمئنا من جانب السلطة الشرعية ومن إمكانية الحصول على مواقفتها على أية صيغة للحل، فيما يكرس معظم جهده في محاولة جلب الحوثيين إلى مربع الموافقة على المبادرة السعودية مقابل بعض التنازلات التي يبحثون عنها.


مؤشر يدعو إلى القلق، ويضعنا أمام حقيقة مرة، فبين سلطة شرعية ضعيفة ولاعبين سيئين يكاد المشروع الوطني أن يضيع، في ظل غياب الفاعلين الوطنيين الحقيقيين عن القيام بدورهم الذي نحتاجه أكثر من أي وقت مضى ليعزز ثقة الشعب اليمني بالمستقبل ودفعه إلى تحمل تبعات المواجهة الطويلة الأمد مع أعداء الداخل والخارج.


على مدى العقد الماضي من زمن الأزمة والحرب في اليمن، جرى التركيز من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين على مسألة تجفيف الساحة اليمنية من الأحزاب، عبر تجريف نفوذ الأحزاب وتأثيرها، وإبقائها مجرد هياكل بروتوكولية لتمرير المخططات المعدة سلفاً لحسم الأزمة والصراع ومصادرة النتائج السياسية والاستراتيجية لصالح هؤلاء الفاعلين.


 


وللأسف اضطرت كبريات الأحزاب أن تسلم قيادها لإرادة التحالف تفادياً للاستهداف، والنتيجة أن هذه الأحزاب تحولت إلى شاهد فاقد للحيلة على مخطط تفتيت اليمن، دون أن تسلم من الاستهداف الذي يطال جسدها التنظيمي ومراكز قوتها الميدانية التي تأتي عليها معركة الاستنزاف المتقنة؛ في جبهات وضعت جميع المتصارعين أمام اختبار وجودي صعب، ووضعت القوى الوطنية على حافة الهاوية.


لكن الأخطر من التجريف هو الإغراق السياسي الذي نراه في التوالد المتسارع للتيارات السياسية التي ترمي في معظمها إلى إعادة ترتيب الأدوار وتأطير المواقف السياسية المتناثرة، وهدفها ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الفاضح للسلطة الشرعية من ميدان المواجهة مع أعداء الوطن والجمهورية، والمتآمرين على وحدة اليمن ودولته وكيانه القانوني.


يتكئ البعض من الساعين نحو تخليق تيارات سياسية على إرث من النفوذ المختلف عليه وعلى إمكانية إعادة توليد القوة عبر اصطفافات هشة ومنابر تعمل عن بعد، وفق منطق المواجهة السياسية مع الانقلابيين. وهذا وحده لا يكفي إن لم تتوفر عوامل أخرى لتماسك القوة السياسية التي يمكن لليمنيين أن يراهنوا عليها، وأهمها وفي مقدمتها الالتحام الحقيقي في الميدان وفي المعركة الدائرة مع العدو، والتضحية التي ليس لها حدود.


ومثلما فعلت الإمارات في عدن عندما دفعت بالمجلس الانتقالي ليلعب دور السلطة الموازية للشرعية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، عملت الرياض مع قوات الساحل الغربي، من خلال الإيعاز للعميد طارق بتأسيس مكتب سياسي لقواته؛ يكون مجال نفوذه تهامة والساحل الغربي، والتصرف كقوة أمر واقع في هذا النطاق الجغرافي تضرب الوحدة الجغرافية لمحافظات وازنة مثل تعز والحديدة.


وهذا يفسر كيف جاءت ولادة المكتب السياسي في مدينة المخا على عجل، كردة فعل على محاولات تجري في المهجر لإطلاق تيارات سياسية، علماً بأن بعض التيارات التي جرى الإعلان عنها من أوروبا، ربما تأتي في سياق الإغراق السياسي الذي يقلل من أهمية أي فعل حقيقي يفترض أن يملأ الفراغ، وأن يحدث فارقاً حقيقياً في الساحة الوطنية.


إن أهم ما يحتاجه اليمن في هذه المرحلة هو الاصطفاف السياسي ضمن بنية سياسية حركية مرحلية تتأسس على الفعل المقاوم لمشاريع هدم الدولة اليمنية، تتجاوز التعقيدات الهيكلية والتنظيمية للأحزاب وحمولتها السياسية الثقيلة. 


وتحرك في هذا الاتجاه لا ينبغي أن يتصادم، وليست هناك ضرورة للتصادم مع تلك الأحزاب والتنظيمات، بل التكامل المبني على وحدة الهدف معها، بناء على تقدير خطورة المرحلة التي تزداد مع نفوذ وتأثير قوى الأمر الواقع ذات الأجندات السياسية الطائفية والانفصالية، والشمولية، التي بُنيت في خضم احتدام الفعل العسكري على الساحة اليمنية بشروط وأولويات قطبي التحالف: السعودية والإمارات للأسف الشديد.

https://m.arabi21.com/Story/1349127


الأحد، 21 مارس 2021

حرب اليمن والحديث عن اصطفاف إقليمي

 حرب اليمن والحديث عن اصطفاف إقليمي


ياسين التميمي# 

غرينتش0

الأحد، 21 مارس 2021 04:56 م بتوقيت 

تتوفر معطيات مشجعة على اصطفاف إقليمي جديد يدور في جزء مهم منه حول الحرب الدائرة حالياً في اليمن، من حيث صلة هذه الحرب بالسعودية التي تشعر أكثر من أي وقت مضى بالتداعيات الخطرة لهذه الحرب، وتتطلع إلى احتوائها والتقليل من آثارها الكارثية على المملكة والمنطقة.


ثمة أسباب عديدة تدفع بهذا الاصطفاف إلى حيز الوجود، لعل أبرزها الموقف العائم أحياناً والغامض والعدائي للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه دول رئيسية في المنطقة، على اختلاف في دوافع ذلك الموقف حيال كل منها.


لكن يبدو أن التوجه نحو إعادة التحكم بمسار الحرب في اليمن في ظل التحولات السيئة التي تشهدها هذه الحرب؛ هو بكل تأكيد المحفز الرئيس لما يمكن وصفه بإعادة نظر حكيمة في المواقف التي تبتنها دول عربية وفي مقدمتها السعودية ومصر؛ ضد كل من قطر وتركيا، في خضم تحولات ارتبطت برغبة الرياض والقاهرة ومعهما أبو ظبي في القضاء على الربيع العربي ومحركاته السياسية والعدائية غير المفهومة تجاه الحركة الإسلامية.


ومن المؤكد أن السعودية تأخذ بعين الاعتبار السقف المرفوع الذي تتمتع به جماعة الحوثي بعد أن رفعت الإدارة الأمريكية الحالية وعبر أعلى المستويات فيها؛ اسم هذه الجماعة الإرهابية من لائحة الإرهاب للمنظمات الأجنبية، مطلقة يدها لتواصل الحرب ضد اليمنيين، واستهداف المملكة، فيما اكتفت إدارة بايدن بالمواقف التي تصدرها الخارجية الأمريكية والتحركات المتعثرة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينع.


يشير أحدث استهداف للمنشآت الحيوية في المملكة، الذي أُعلن عنه كالعادة من جانب جماعة الحوثي، وطال صباح الجمعة الماضية مصفاة النفط العملاقة في جنوب شرق الرياض، إلى أن إيران مصممة على تحقيق نصر عسكري لها في اليمن عبر جماعة الحوثي، التي تتصدر مشهد استهداف السعودية وتتبنى هجمات تطال العمق السعودي، في ظل وجود مؤشرات على أن إيران وجماعات أخرى تابعة لها هي من نفذها وينفذها وليس الحوثيين.


ثمة إذا ما يرجح حدوث تبدلات عميقة في طبيعة التحالفات والاصطفافات الإقليمية قد تبدو معه المنطقة مختلفة عما كانت عليه قبل سنوات، وهذا التطور قد لا يكون منفصلاً عن تحركات تجري في الولايات المتحدة التي تشهد انقساماً سياسياً؛ طرفاه الحزبان الرئيسان الجمهوري والديمقراطي، والذي يبدو أنه طوى عهداً من النفوذ القوي للمؤسسات الأمريكية وتأثيرها في تحديد المواقف الرئيسة لواشنطن تجاه القضايا والتطورات والدول والجماعات.


وليس هناك أبلغ من الدليل الذي يمثله تراجع الزخم الذي كانت تغذيه الإدارة السابقة، وكان يرمي إلى بناء تحالف إقليمي كان يديره بحماس ولي عبد أبو ظبي محمد بن زايد، ويدور حول الكيان الصهيوني ونفوذه والمفاتيح التي يملكها في واشنطن، وهو تحالف كان قد اقتضى إعادة النظر في الأولويات التقليدية للصراع العربي الإسرائيلي، وفي سياسات ومواقف، وتسبب في هدم العلاقات الراسخة بين الدول العربية.


لكن هذا التحالف يبدو أنه لم يعد يتفق مع التطوارت الجديدة التي تشهدها المنطقة وتلك التي شهدتها واشنطن نفسها، على الرغم من نجاحه في دفع دول عدة في المنطقة لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه؛ كما عكسته السلوكيات المبتذلة من بعض النخب الخليجية والعربية التي تفاعلت مع التطبيع.


وبما أن اليمن هو أحد المحركات الرئيسية للتحولات الإقليمية المنتظرة، فإنه من المفيد الإشارة إلى أن الضغط الهائل الذي يمارسه الحوثيون على المعقل الرئيس للسلطة الشرعية، وهو مدينة مأرب بما تمثله من أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، متوازياً مع هجمات متواصلة على العمق السعودي، بات يعكس حالة استثنائية من إيقاع الحرب التي تبدو أكثر من أي وقت مضى حاسمة وخطيرة.


لهذا لا يجب النظر إلى هذه الحرب على أنها جزء من مسلسل الصراع الدائر من الحوثيين وخصومهم، وذلك أن السعودية وبعد أن انسحبت شريكتها الإمارات من الساحة اليمنية مخلفة وراءها جماعات مسلحة مؤثرة؛ هي اليوم من سيتحمل أعباء النتائج السيئة للحرب إذا ما قدر لإيران أن تحقق أهدافها كما كانت تخطط لها منذ عقود.


والحقيقة هي أن مواجهة التحديات الوجودية في المنطقة لا ينبغي أن تتوقف على إجراء بعض التحسينات في مواقف الدول الإقليمية الرئيسية من بعضها، بل بتحسس الأدوار التي ينبغي أن تؤديها، وإعادة بناء مرجعيات إقليمية كتلك التي تؤديها إيران للمنظومة الشيعية في المنطقة؛ مما أكسبها كل هذا التأثير على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية، ومنحها الفرصة للتحكم بمقومات الحرب والسلام، في مقابل التدمير الممنهج الذي طال مقدرات الأمة وفقاً لحسابات سلطوية ضيقة مارستها بعض الدول؛ رغم الاستهدافات التي تتعرض لها.


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "عربي21"


https://arabi21.com/story/1346114/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%81-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A#category_2

الاثنين، 15 مارس 2021

المبعوث الأمريكي أمام تحدي الرفض الحوثي لخطته

 

المبعوث الأمريكي أمام تحدي الرفض الحوثي لخطته

اليمن نت _ ياسين التميمي:

ما إن أعلن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ عن تقديم خطة للحوثيين لوقف إطلاق النار وصفها بالمتماسكة، ومؤكداً أنها معروضة لعدة أيام فقط، حتى جاء الرد من الحوثيين على لسان المتحدث باسمهم محمد عبد السلام بالرفض الكامل لهذه الخطة.

يبرر الحوثيون رفضهم بأن الخطة تتضمن شروطاً سعودية وتعكس الموقف السعودي، ولا تلبي شروطهم.

لم يكشف المبعوث الاممي عن مضامين خطته، لذا لا تتوفر معرفة ولو أولية باتجاهات هذه الخطة، لكن من المرجح أنها إعادة تكييف أمريكية لخطة غريفيث، خصوصاً أن الرجلين تحركا بشكل مشترك لدى الأطراف خلال الأيام الماضية.

أعلنت الحكومة عبر وزارة الخارجية أنها تعاملت بإيجابية مع الخطة الأمريكية، وهو أمر متوقع طالما أن السعودية وافقت عليها وفقاً للمبعوث الأمريكي.

لكن لماذا رفض الحوثيون هذه الخطة.؟ الإجابة على هذا السؤال ربما تحتاج إلى الاطلاع على مضمونها، لكن من الواضح أن جزءاً من هذه الخطة يقضي بحرمان الحوثي من تحقيق أهدافه العسكرية في مأرب.

وبقدر ما يعتبر الحوثيون الخطة الأمريكية مؤامرة بقدر ما تتضمن التزامات تصل إلى حد التنازلات والتي ليست جزءاً من قاموس ميلشيا الحوثي التي تتكئ على القوة في تمرير أجنداتها دونما التفات إلى ما يقوله الآخرون.

ليس لدى واشنطن حلولاً بديلة للتعامل مع الحوثيين بما يجعلهم أكثر استعداداً للقبول بالخطة الأمريكية، فهم يتصرفون بنفس طويل، وهذا قد يسمح للوقائع الميدانية بالمزيد من التغير لصالح الشرعية التي تدعمها السعودية، وهذا ما نراه اليوم من نجاح للجيش الوطني والمقاومة في تحرير مساحات واسعة ومهمة الأراضي في غرب تعز وحيازة إنجازات استراتيجية بالوصول إلى البرح وتأمين طرق جديدة تربط بين تعز وساحلها الغربي في المخا وباب المندب.

لكن إلى أي مدى ستتصرف السعودية ضد التصور الخاطئ الذي تمسكت به طيلة السنوات الماضية من زمن الحرب والذي جعلها تفكر بعقد صفة مع الجماعة الحوثية تقوم على أساس أن أمنها سوف يتحقق من خلال ترتيبات سياسية مع جماعة الحوثي تبقيها مسيطرة على مقدرات الدولة في اليمن..؟

وزارة الخارجية ألمحت إلى أن السبيل الوحيد لحمل الحوثي على القبول بالسلام لن يتحقق إلا بتوسيع نطاق المواجهة معه، وهو أمر يبدو كما لو كان ينفذ حالياً على أرض الواقع.

لقد وصل المبعوث الأمريكي إلى ما يمكن اعتباره أول التحديات التي تضعه في مأزق، كما وضعت نظيره الأممي مارتن غريفيث، ولا ندري ما هي طبيعة المرونة الأمريكية التي يمكن أن تبقي على الأمل معقوداً على التسوية السياسية في وقت تشتعل فيه الجبهات ويزداد إصرار الحوثيين على التصرف كما لو كانت مأرب جزءاً من التركة الجغرافية التي باتت بحوزتهم، وهو أمر مستبعد إلى حد كبير.